من مكفّرات الذنوب.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفّرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر" رواه مسلم1.
هذا الحديث يدل على عظيم فضل الله وكرمه بتفضيله هذه العبادات الثلاث العظيمة، وأن لها عند الله المنزلة العالية، وثمراتها لا تعدّ ولا تحصى.
فمن ثمراتها: أن الله جعلها مكملة لدين العبد وإسلامه، وأنها منمية للإيمان، مسقية لشجرته. فإن الله غرس شجرة الإيمان في قلوب المؤمنين بحسب إيمانهم، وقَدَّرَ من ألطافه وفضله من الواجبات والسنن ما يسقي هذه الشجرة وينميها، ويدفع عنها الآفات حتى تكمل وتؤتي أُكُلها كل حين بإذن ربها، وجعلها تنفي عنها الآفات.
فالذنوب ضررها عظيم، وتنقيصها للإيمان معلوم.
فهذه الفرائض الثلاث إذا تجنب العبد كبائر الذنوب غفر الله بها الصغائر والخطيئات. وهي من أعظم ما يدخل في قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ}[هود:114], كما أن الله جعل من لطفه تجنب الكبائر سبباً لتكفير الصغائر. قال تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا}[النساء:31], أما الكبائر فلا بد لها من توبة.
وعلم من هذا الحديث: أن كل نص جاء فيه تكفير بعض الأعمال الصالحة للسيئات، فإنما المراد به الصغائر؛ لأن هذه العبادات الكبار إذا كانت لا تكفر بها الكبائر فكيف بما دونها؟
والحديث صريح في أن الذنوب قسمان: كبائر، وصغائر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدّم تخريجه تحت شرح الحديث السابع عشر ص50.
ص -67- وقد كثر كلام الناس في الفرق بين الصغائر والكبائر. وأحسن ما قيل: إن الكبيرة ما رتب عليه حد في الدنيا، أو توعد عليه بالآخرة أو لعن صاحبه، أو رتب عليه غضب ونحوه، والصغائر ما عدا ذلك.
أو يقال: الكبائر: ما كان تحريمه تحريم المقاصد. والصغائر: ما حرم تحريم الوسائل، فالوسائل: كالنظرة المحرمة مع الخلوة بالأجنبية. والكبيرة: نفس الزنا، وكربا الفضل مع ربا النسيئة، ونحو ذلك. والله أعلم.