سؤر الهرّة.
عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الهرة: "إنها ليست بنجس، إنها من الطوّافين عليكم والطّوّافات" رواه مالك وأحمد وأهل السنن الأربع1.
هذا الحديث محتوٍ على أصلين:
أحدهما: أن المشقة تجلب التيسير. وذلك أصل كبير من أصول الشريعة، من جملته: أن هذه الأشياء التي يشق التحرز منها طاهرة، لا يجب غسل ما باشرت بفيها أو يدها أو رجلها، لأنه علل ذلك بقوله: "إنها من الطوافين عليكم والطوافات" كما أباح الاستجمار في محل الخارج من السبيلين، ومسح ما أصابته النجاسة من النعلين والخفين، وأسفل الثوب، وعفا عن يسير طين الشوارع النجس، وأبيح الدم الباقي في اللحم والعروق بعد الدم المسفوح، وأبيح ما أصابه فم الكلب من الصيد، وما أشبه ذلك مما يجمعه علة واحدة، وهي المشقة.
الثاني: أن الهرة وما دونها في الخلقة كالفأرة ونحوها طاهرة في الحياة لا ينجس ما باشرته من طعام وشراب وثياب وغيرها، ولذلك قال أصحابنا: الحيوانات أقسام خمسة:
إحداها: نجس حياً وميتاً في ذاته وأجزائه وفضلاته. وذلك كالكلاب والسباع كلها، والخنزير ونحوها.
الثاني: ما كان طاهراً في الحياة نجساً بعد الممات. وذلك كالهرة وما دونها في الخلقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 صحيح: أخرجه: مالك 1/22-23 رقم: 13, والشافعي في "الأمّ" 1/20, و"المسند" ص9, وأبو داود رقم: 75, والنسائي في "المجتبى" 1/55, و"السنن الكبرى" رقم: 73, و"الترمذي" رقم: 92, وابن ماجه رقم: 367, وأحمد 5/303, 309, وعبد الرزاق في "المصنّف" 1/101, رقم: 353, وأبو عبيد في "الطهور" رقم: 206, والبيهقي في "السنن" 1/245, و"الصغرى" 1/58-59 رقم: 144, و"المعرفة" 2/67 رقم: 1770, و"الخلافيّات" 3/87-88 رقم: 910, وانظر تعليق شيخنا مشهور –حفظه الله- عليه.
ص -65- ولا تحله الذكاة ولا غيرها.
الثالث: ما كان طاهراً في الحياة وبعد الممات، ولكنه لا يحل أكله، وذلك كالحشرات التي لا دم لها سائل.
الرابع: ما كان طاهراً في الحياة وبعد الذكاة. وذلك كالحيوانات المباح أكلها، كبهيمة الأنعام ونحوها.
الخامس: ما كان طاهراً في الحياة وبعد الممات، ذُكِّي أو لم يُذَك وهو حلال، وذلك كحيوانات البحر كلها والجراد.
واستدل كثير من أهل العلم بقوله صلّى الله عليه وسلم: "إنها من الطوافين عليكم والطوافات" بطهارة الصبيان، وطهارت أفواههم، ولو بعد ما أصابتها النجاسة، وكذلك طهارة ريق الحمار والبغل وعرقه وشعره. وأين مشقة الهر من مشقة الحمار والبغل؟
ويدل عليه: أنه صلّى الله عليه وسلم كان يركبها هو وأصحابه، ولم يكونوا يتوقَّون منها ما ذكرنا. وهذا هو الصواب.
وأما قوله صلّى الله عليه وسلم في لحوم الحمر يوم خيبر: "إنها رجس"1 أي: لحمها رجس نجس حرام أكله. وأما ريقها وعرقها وشعرها: فلم ينه عنه، ولم يتوقّه صلّى الله عليه وسلم.
وأما الكلاب: فإنه صلّى الله عليه وسلم أمر بغسل ما ولغت فيه سبع مرات إحداهن بالتراب2.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم: 5528, ومسلم في "صحيحه" رقم: 1940.
2 أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم: 172, ومسلم في "صحيحه" رقم: 279.