منهج التصوف في معرض الكتاب والسنة:

بسم الله الرحمن الرحيم
يتبع في حقيقة التصوف في الكتاب والسنة
منهج التصوف في معرض الكتاب والسنة:
العبارات الواردة على ألسنة أهل الطرق الصوفية تؤكد أن منهجهم في تربية المريدين قائم على الكتاب والسنة،والتمثل بأهل القدوة أهل الميراث الحق للرسالة وحملة الأمانة التي هي أقدس وأشرف ما كرم الله به بني الإنسان.
وإذا كانت كل الطوائف والأحزاب والجماعات تدعي بأنها التي اتخذت الكتاب والسنة منهاجا لها دون تحريف أو تبديل، فإن هذا يحتاج الى الوقوف على مصداقيته ومدى مطابقته للواقع، من أجل ذلك كان لزاما على الباحث في أحوال أية جماعة أن يعرضها على الكتاب والسنة. ولا بد في صحة أحكامه من أن يكون من أهل المعرفة بالكتاب والسنة من الذين خصهم الله بالفقه في الدين وعلم التأويل.
وسأحاول جهدي قبل الحكم على منهجهم أن أورد عبارات القوم التي تكشف عنه، والأصول التي تقوم عليها طرقهم، فما رأيناه غامضا بيناه، أو خارجا مما يؤخذ عليهم من قبل الغير أوردناه وقومناه، وكشفنا عن وجه اللبس فيه مستندين الى اقوال أئمة التحقيق منهم مستمدين العون والتوفيق من الله سبحانه.

عبـــــــــارات القوم في المنهج:
1_ يقول السيد محمود أبو الفيض المنوفي:
" ومنهج التصوف الإسلامي الحق منقول معلوم عما هو مشهور من أحوال النبي صل الله عليه وسلم وحركاته وسكناته وتبتله واختلائه في ابتداء أمره وانتهائه، وكذلك أحوال الصحابة النجباء وأصفياء العلماء والحكماء أرباب البصائر واليقين".
والذي يمكن أن يلتبس الأمر فيه على البعض ويكون محل التساؤل هو القدوة بالنبي صل الله عليه وسلم قبل نزول الوحي عليه في أمر الخلوة، والاقتداء بغيره ممن وصفهم، وهل في القرآن ما يسعف ذلك؟

أقول وبالله التوفيق:
إن الله جلّت قدرته هو الذي تولى نبيه بالرعاية والتربية من أول نشأته، فحفظه من عبادة الاصنام وصانه عن كل أمور الجاهلية، فإذا كان الله سبحانه قد هداه الى الخلوة للتعبد والتحنث في غار حراء، وجعلها محل الاصطفاء والاجتباء، علم أن هذا من جملة أسباب التقرب الى الله بما يجب، وطريقا من طرق تصفية القلب وجمع الهمة على الله.
وقد اخبر النبي صل الله عليه وسلم أنه من الأمور التي حببت إليه، والتحبيب هذا كرم الله لأهل العناية، حيث بالمحبة تهون الصعاب وتسهل التكاليف، كما قال سبحانه في معرض المنة على اتباع النبي الكريم: "وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ في قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ"
وقد امر الله نبيه أن يكشف عن عظيم منته عليه بقوله:
"قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"
أما بالنسبة للقدوة بمن ذكر دون الاقتصار على السنة والأخذ منها مباشرة، فهذا أمر يقرّه الواقع فإن العلم لا يؤخذ الا من العلماء، ولا تعرف التقوى والحكمة الا عند الاتقياء، كما لا يقر الواقع بطبيب او مهندس لم يأخذ علمه من أهل الاختصاص.
والنبي صل الله عليه وسلم يقول في ذلك:
" فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين عضوا عليها بالنواجذ..."
والله جل جلاله يبين مدى أهمية المرشد والقدوة في نيل أسباب الهداية وأنه الطريق الذي شرعه سبحانه وتعالى:" مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا"
فإن الكثير من حقائق الدين لا تعرف الا بالصحبة والمشاهدة، فيما هو بالذات فوق مدار التصور أو التوهم والتخيل، وكما أن لكل فنّ أو علم أصوله ومصطلحاته وأساليبه التي يتعامل بها، فكذلك لهذا العلم الرباني منهجه وأساليبه وقواعده وقوانينه التي لا يمكن أن تعرف أو تؤخذ من غير أهله.

وقد نبه القوم على هذا وأكدوا عليه، فها ابن عجيبه يقول:
" اعلم أن سلوك الطريق وخصوصا لمريد الكشف والتحقيق لا يكون من غير التزام الطاعة والانقياد لشيخ محقق مرشد. لأن الطريق عويص، وأدنى زوال يقع عن المحجة يؤدي الى مواضع في غاية البعد عن المقصود".
2_ قال الجنيد رحمه الله:
الطرق كلها مسدودة على الخلق الا على من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام...
ونقل عنه أبو علي الروذباري قوله:
مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة.
وفي عبارة أخرى:
علمنا هذا مشيد بحديث رسول الله صل الله عليه وسلم.
3_ قال أبو القاسم النصراباذي شيخ خراسان:
أصل التصوف لزوم الكتاب والسنة وترك الأهواء والبدع، وتعظيم حرمات المشايخ ورؤية أعذا الخلق( أي قبولها منهم) ودوام الأوراد، وتجنب الرخص والتأويلات.
أقول: يقصد بالمشايخ أئمة الطريق الذين يقتدى بهم من الأولياء والعارفين بالله خلفاؤه صل الله عليه وسلم في حمل الأمانة وتبيلغ الرسالة.
ولا شك أن حفظ حرمة من لهم الأيادي البيضاء في التربية والتعليم وإخراج الناس من الظلمات الى النور بإذن ربهم من مقرات الدين وادابه التي أدب بها المسلمين، فإذا كان المؤمن أعظم حرمة عند الله من الكعبة كما أخبر النبي صل الله عليه وسلم فإن حرمة هؤلاء أوجب وأولى.
يتبع......

» د . علي جمعة - التصوف في الإسلام
» فاتحة الكتاب
» التصوف ********
» التصوف الاسلامى
» ....جمال التصوف..